سألني سعيد الحلاق أربعة عشر مرة إن كنت متزوجا.
منذ وفاة محمود عبد العزيز، الحلاق، قبيل أول العام الماضي إلى الآن، ولأني أحلق مرة في الشهر تقريبا، ولأني ذهبت دائما إلى سعيد باستثناء مرة واحدة، فإنهم فعلا أربعة عشر مرة.
يتذكر سعيد بدقة كيف أحب أن أقص شعري وكيف لا أحب أي تحديد للحيتي مفضلا ترك التناثر العشوائي للشعر يشكل حدودها، وأنني لا أحب أي نوع من الكريمات ولا الشامبو ولا البلسم ولا أي شيء من تلك المنتجات الملونة الكثيرة المرصوصة عنده، ولكنه لا يتوقف أبدا عن هذا السؤال.
من المحتمل أني لم أبد له أبدا مقنعا كمتزوج. ربما هي لهجتي تجاه الحياة، تنقصها "النضج"- أبتسم عادة أمام هذا الاستخدام للكلمة، فالناضج يؤكل - أو هو نقصان اليقين أو ربما فائض القلق. بشكل عام أنا لست مقنعا لسعيد، أي حوار بيننا ينتهي بصمت ما. كأننا ندور في مدارين منفصلين ونتبادل إشعارات الوجود وتحديد المسافة في لحظات عشوائية، نراوح بين البون الشاسع والقرب الذي يكاد ولكنه لا يكون.
أعتقد أنه من الصعب محاورة سعيد فضلا عن إقناعه لأنه بالأساس غير مكترث، غير مكترث بعمق وأصالة. لا يبدي اهتماما لا بالكرة ولا بالدين ولا بالموسيقى ولا بالأفلام ولا بالسياسة ولا بالنساء ويبدو فاترا وحازما في تعامله مع أصحابه، لا يمدح أو يتذمر من أي شيء. أمر واحد فقط يؤرقه، أنه متزوج ولا يزال مقيما في بيت أبيه. أعتقد أن هذا ما يدفعه دائما لسؤالي نفس السؤال، وإجابتي التي لم تكن أبدا مقنعة له لكي يتذكرها، كافية لكي يسألني بعد جوابي إن كانت لدي شقة أو أنني مقيم في بيت أهلي، ثم يتبع ذلك بشكوى صادقة من إقامته وزوجته عند أهله ويتمنى صادقا أن يحصل على شقة لكي ينتقل للسكن في بيت يخصه.
آخر مرة، قبل يومين، عندما سألني سعيد هذا السؤال، بدت لي الإجابة الدقيقة معقدة ولا تناسب عدم اكتراث سعيد ولا غرضه من السؤال. لذا فإني إجابتي كانت مقتضبة: لا.
لم يبد عليه أي تعبير، فقط انقطع مسار الحوار المعتاد وضاعت فرصته هذه المرة. وكان ذلك مريحا لي للحظات، ولكنه كان أسرع وصول إلى الصمت، بدا سعيد مختلفا وأنا أعلم أنه يبتلع شكواه الوحيدة من هذا العالم، ولم يعد ذلك مريحا.
أضفت مبتسما: مش متجوز لكن مش قاعد عند أهلي، عندي شقة.
نظر لي سعيد عبر المرآة وابتسم بشيء من الحرج: إيه ده! هو أنا حكيت لك؟
قلت وأنا أفكر أن ذلك قد يضع نهاية لأحد حواراتنا الأهم والأكثر استقرارا منذ عرفته: كل مرة تحكي لي، خمسة عشر مرة فقط يا سعيد !
لم أحسب بدقة ساعتها.
قهقه سعيد بعنف وتوقف عن الحلاقة، ابتعد قلبلا واستند بذراعيه على الكرسي الذي أجلس عليه وهو ينظر إلى الأرض يخفي وجهه عن المرآة ولكني رأيت احمرار أذنيه وهو يقول: لا مؤاخذة يا باشا. كادت دمعة تطفر من عيني وأنا أشاركه الضحك ولكني هززت رأسي ممتنا ومعجبا بسعيد وذاكرته الصافية إلا من همه: يخرب عقلك يا سعيد !
--------------------------------------------------------------------------------
لا تشبه صورة جوني دب في "ماذا يقلق جيلبرت جريب" سعيد. ولكني شاهدت الفيلم بالأمس ، ويبدو لي أن شيئا مشتركا يقلقنا أنا وسعيد وجيلبرت.